قرية عين غزال في الأردن عشرة آلاف عام من الحضارة – تماثيل عين غزال في الأردن هي الأقدم في العالم



بلغت قرى الصيادين الذين جابوا أنحاء شرقي المتوسط ذروتها مع بداية الألف العاشر قبل الميلاد، وحصل تحول جذري في حياة المجتمعات البشرية والأنماط المعيشية للناس في تلك الفترة. وتَمثل هذا الإنعطاف في الإنتقال من حياة الصيد وجمع القوت والتنقل إلى التدجين والزراعة والإنتاج والإستقرار في قرى ثابتة.

يقع موقع عين غزال، الذي شهد نشأة مجتمع زراعي منظم عاش قبل حوالي عشرة آلاف عام، في المنطقة الشرقية من العاصمة عمّان. وتشكل هذه المنطقة نقطة التقاء بين سكان المناطق الجبلية في الغرب والبادية الأردنية في الشرق، لذا أدى الموقع دورًا مهمًا في تواصل سكان هاتين المنطقتين وتفاعلهم عبر العصور. ومن أهم القرى التي تأسست في منطقة جبال البلقاء في العصر الحجري الحديث، قرية عين غزال .

استمد موقع «عين غزال» اسمه من نبع ماء كان يسقي سكان عمَّان لفترة من الوقت، وهو موقع يتمركز على ضفتي نهر الزرقاء (شرقيها وغربيها). ويبدو أن المنطقة كانت وفيرة الغزلان؛ حيث عثر المنقبون في إحدى الغرف المكتشفة في عين غزال على ثلاثة عشر قرنًا من قرون الغزال. بدأت عين غزال قرية زراعية صغيرة المساحة لا تتجاوز عشرين دونمًا، إلا أنها تطورت واتسعت مع مرور الوقت حتى بلغت مساحتها فيما بين 7500 – 7000 قبل الميلاد حوالي 150 دونمًا. ويقدر الباحثون عدد سكان الموقع في حوالي 7000 قبل الميلاد بقرابة 2500 – 3000 نسمة . وبهذا لا يضاهيها اتساعًا أي موقع آخر في المنطقة المحيطة، وهي التي سُكنت دون انقطاع مدة تقارب ثلاثة آلاف عام. يضاف إلى ذلك أن المكتشفات الأثرية في عين غزال قد دلت على الغنى والتقدم الفكري والعقائدي الذي عرفه سكانها منذ عهود بعيدة.

دلت العمارة المكتشفة في عين غزال على التنوع والتطور العمراني الذي شهده الموقع خلال مراحل الإستقرار المختلفة، وتمكن المنقبون من التعرف على نوعين من العمارة، هما: المساكن والأبنية الدينية. حيث عثر في المنطقتين الشرقية والشمالية من عين غزال على أبنية اعتقد المنقبون بأنها قد كرِّست لممارسة طقوس ذات طبيعة عقائدية استنادًا إلى طرازها العمائري وطريقة بنائها. كذلك عثر في الموقع على عدد من المخلفات الأثريةالتي تدلّ على ممارسة الطقوس العقائدية، مثل الجماجم المجصصة (Plastered Skulls) والأقنعة، والدمى البشرية والحيوانية والتماثيل الآدمية. كشف في عين غزال خلال أعمال التنقيب في عامي 1983 و1985 عن مجموعتين من التماثيل الجصّية الآدمية موضوعة على نحو مرتب في حفر أعدت خصيصا لهذا الشأن. وقد صنعت هذه التماثيل من مادة الجص، وهي مادة هشة وقابلة للتفتت، لذا بُعثت المجموعة الأولى من تلك التماثيل إلى معهد الآثار البريطاني في لندن لترميمها وصيانتها، وبُعثت المجموعة الثانية إلى معهد سميثسونيان في نيويورك، وأعيدت غالبيتها إلى الأردن بعد الترميم .

قبل معرفة الأواني الفخارية، استخدم الناس في عين غزال أوانيَ منزلية مثل الأطباق المصنوعة من الحجارة الطباشيرية الكلسية أو غيرها. كذلك صنعوا من الحجارة البازلتية والجيرية مدقات ومهارس لطحن الحبوب وجرشها. وبقي الأمر على هذا النحو حتى حوالي عام 6500 قبل الميلاد حين شاع استخدام أوانٍ مصنوعة من الصلصال، والتي ضمّت الجرار والأطباق والكؤوس لحفظ السوائل، أو الطهو، أو تناول الطعام.

وإذا كانت الزراعة مصدر القوت الأساسي لدى سكان عين غزال، فإن الصيد بقي مصدرا مهمًا من مصادر الغذاء، وظل الناس يصنعون رؤوس السهام الصوانية لصيد الحيوانات، كما صنعوا أدواتٍ أخرى من حجارة الصوان، مثل الفؤوس والقداديم والسكاكين ومكاشط الجلود والأخشاب وشفرات المناجل والمثاقب وغيرها. وتمثل هذه الأدوات مجتمعة الركيزة الأساسية في عمل المجتمعات الزراعية.